)هي أعظم كثيرًا مما كنتُ أتصور، وإن الذين وصفوها لنا سابقًا وتغنوا لنا بجمالها، وعظمتها لم يقولوا إلا الحقيقة، بل لم يقولوا إلا نصف الحقيقة، ولم أرَ مثلها في حصونها، ونظافتها من بين جميع المدن التي رأيتها( .
هذا ما قاله «بيدرو نافارو» قائد الحملة الإسبانية على مدينة طرابلس في يوليو عام 1510م عندما دخل المدينة البيضاء كما كان يصفها البعض في وقت ما، وذلك لبياض جدران مبانيها ولشدة نظافتها .
هكذا كانت طرابلس قبل قرابة الستة قرون .. ربما لو عاد القائد «نافارو» مجددًا سيصاب بالذهول لما آلت إليه المدينة التي فقدت جمالها، وسحرها، وبياضها .
حدثني صديق أنه التقى بأحد الجزائريين ذات يوم صيفي ليس بالبعيد في طرابلس؛ فتبادل معه أطراف الحديث، فقال الجزائري متأسفًا :
- ليستْ هذه طرابلس التي حلمتُ بزيارتها كثيرًا .
عندما سأله صديقي عن طرابلس التي يعنيها.
قال : جئتُ زائرًا لعروس البحر فوجدتها قد شاختْ، وفقدتْ شبابها ونضارتها .
أخرج الجزائري في أسفٍ من جعبته صورًا قديمة للمدينة في أواسط القرن الماضي.
قال – والكلام لصديقي – إنّ الصورَ التي حملها معها كانت فعلاً جميلة لطرابلس التي كانت جميلة واستحقتْ بجدارة لقب «عروس البحر المتوسط» .
قال ولا يزال الكلام لصديقي لم أجد مبررًا أُبرر به ما آلت إليه طرابلس التي فقدتْ جمالها، ونظافتها، ورونقها، ونظامها ورقيها.
وما نراها ونشهده هذه الأيام من إصلاح لطرقات المدينة القديمة وترصيفها، وتطويرٍ لبنيتها التحتية، وإصلاحٍ لجدرانها يعد نقلةً مهمة في تاريخ المدينة، ويعد خطوةً ضرورية للعودة بطرابلس لسابق عهدها الجميل، والزاهي .
كما أن ما تشهد الآن طرابلس، والكثير من المدن الأخرى من تعبيد للطرق، وتوسعة لأخرى لفك الاختناقات المرورية لتسهيل حركة السير، وما نراه من إنشاء حدائق غناء، ومساحات خضراء وتشجير ٍللطرقات يضفي جمالاً على شكل المدينة .
نطمح للمزيد من الاهتمام بجمال مدننا؛ فهي رسائل بسيطة للعالم على مدى تحضرنا وتقدمنا .
نتمنى أن تستعيد «عروس البحر» جمالها وبهجتها حتى لا نخجل أمام زائريها، ولنستمتع نحن أبناؤها كذلك بجمالها .