الأخيرة

لن أنسى هذا التاريخ ..!!

ناجي الحربي

 

3 فبراير عام 1975 تاريخ لن يغيب عن ذاكرتي التي بدأت تشيخ .. في هذا اليوم امتنعت عن الطعام حتى فاحت رائحة فمي الكريهة .. لم أنم .. ولم يهدأ لي بال .. كان الحزن يخيم على قلبي .. أذكر أنني ذرفت  دمعًا غزيرًا ..  ففيه غادرت ملكة الغناء العربي « أم كلثوم» .. كنت عاشقًا لهذا الصوت الأنثوي الرجولي معا .. كنت أعلق صورها في غرفتي الصغيرة .. وكان والدي ضابط الشرطة المتشدد كثيرًا  ما يوبخني بسبب صور أم كلثوم التي  تكاد تغطي  حائط الغرفة .. لن أنسى أن أمي كانت قلقة جدًا .. ليس لموت أم كلثوم ولكن لأنني لم أتناول شيئًا ذلك اليوم .. 

كان الحزن ينخر جسدي النحيل .. فقد كانت أم كلثوم بأغانيها  رسول العشق بيني وبين من أحب .. ظننت أن حبي قد مات هو الآخر .. كنت أقول :  من سيوصل رسائلي لحبيبتي ؟!! من سيقول لمعشوقتي : هل رأى الحب سكارى ؟!! كيف ستعرف أنها هي الحب كله ؟!! وكيف تعرف أنها ستكون حياتي عذاب عندما تكون بعيدة عني ؟!!

كنت متتبعًا لحفلاتها وأخبارها .. وكنت أحفظ عن ظهر قلب كل أغانيها ..  وأعرف كتابها وملحنيها .. وأسماء عازفي فرقتها .. في حين كانت عصاة المعلم تجلدني  بضراوة لفشلي في حفظ جدول الضرب .. ونظريات فيثاغورس..

أذكر أنني وقفت في الفصل كي أجيب معلم اللغة العربية عن قصيدة للشاعر أحمد شوقي كانت مقررة ضمن منهج النصوص  .. لكنني لا أعرف ما الذي جعلني أتحدث عن أم كلثوم وحفلتها في باريس عام 1967 .. كانت حينها تغني « الأطلال» إذ وقعت من على خشبة المسرح وهي تترنم بهذا البيت : هل رأى الحب سكارى مثلنا .. كم بنينا من خيال حولنا ..  ذلك عندما أصرّ أحد المخمورين الفرنسيين على تقبيل قدمها ..  كان المعلم مزهوًا بحديثي عن سومة كما كنا نطلق عليها .. أظن أنني  ومعلم النصوص  الذي كان من عشاق سيدة الغناء العربي مازلنا مخمورين  بهذا الصوت رغم الموت الذي غيبه  منذ أربعين سنة ..!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى