رأي

أوتار الانسان موقف.. للكاتب جمعة عتيقة

كان المرحوم فاضل المسعودي كلما خالطه الإحباط والتذمر أيام سنوات القلق و التربص في الخارج و هو المعارض العنيد الذي كان من أوائل من قالوا لا في وجه من قالوا نعم أيام حقبة الاستبداد.. كان يلفه الصمت والتجهم.. ويلجأ الى العزلة والمفارقة.. كنتُ أحد الذين يتمتعون لديه بمكانة خاصة تسمح لي بمشاكسته و (منابشته) وهو مغموراً بتلك اللحظات النفسية التي تميل الى القتامة.. بكلمات اعرف انها تشكل وخزاً وتذكيراً بأن المناضل الحق لا يصدّه عن سبيله (وحشة الطريق وقلة الزاد..) وغير ذلك من المواعظ والحكم المنبرية الخشنة.. كانت ابتسامة ساخرة تقفز الى شفتيه فيغمض عينيه ويهمُّ بالكلام.. و هي عادة صاحبته و صاحبها، ليقول ((والله يا جمعة ما نادم على شيء في هذه الدنيا الّا على «كتاب» شغلتني الدنيا عن قراءته و اشعر انني خسرت شيئاً لا يعوض)) انها قولة حكيمة من شخص خبر الحياة و خبرته، عاركها و عاركته فكانت استخلاصاته حكماً مسبوكة بالذهب و الرجاحة.. وكلما مضت بنا دواليب الحياة وخضنا في تعاريجها نزداد قناعة بأن أي لحظة ولو خاطفة تمر في حياة الانسان دون ان نستزيد ونستفيد من نبع المعرفة هي خسارة لا تعادلها أي خسارات عابرة مهما خلفت من جروح غائرة – ان خسارة وقتك في غير معانقة (الكتاب) وهدهدة حروفه وفي أي حقل معرفي أو مجال هو الخراب المبين، أما ما عداه من خسارات حتى وان بدت فادحة فالحياة كفيلة بجبر ضررها و لملمة شظاياها..

رحم الله فاضل المسعود، ذلك (الكتاب) الوطني بأوراقه المصقولة وحروفه المضيئة الذي عمّد ورسخ و شيّد بنياناً كتب عليه بخيوط الشمس الذهبية ((الانسان موقف))

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى