
دون التحسس من صلتي بالدكتور محمد صالح الصغير، أستطيع أن أعتبر طرح موضوع الحدود بالصالون الثقافي لحزب السلام والازدهار في أصبوحتي الثامن والعشرين من سبتمبر والخامس من أكتوبر لما يُحسب في جدية الحزب ومثل ذلك المُحاضر الذي قضى كل عمره الوظيفي بالخارجية الليبية جامعا بين التنقل في مختلف الإدارات والتحصيل والتخصص والذي بلغ ذروته في التخرج من جامعة الخرطوم، تلك التي يدرك كل متابع للتاريخ الجامعي منذ انبعاثها في خمسينيات القرن الماضي وقبل أن يقرر السودانيون فك ارتباطهم مع مصر، ففي الأصبوحتين المشار إليهما وبحضور نوعي ملحوظ تناول المُحاضر موضوعه المُكرَّس للحدود بشقيها البري والبحري وفي شيء من الاستعداد الملحوظ، متجنبا الإطالة المملة والاختصارات المخلة وحرصٍ مُشرِّفٍ على الإشادة بأبرز المؤلفات التي اعتمد عليها وهو ينجز عمله حريصا على إلقائه مكتوبا مُنَزَّها عن ثقل القراءة ومُنفرات الأخطاء اللغوية المخجلة، لقد رأيناه في القسم الأول يخص بالعرض الأول حدودنا البرية والتي تعود تاريخيا إلى ما قبل الحكم الوطني بآمادٍ بعيدة وذلك لأن الوطن وُجِدَ قبل السلطة، وأن الذين سادوه كانت دوما لهم مصالحهم وتفاهماتهم مع كل من قاسمهم النفوذ وخاض معهم المعارك معتمدا الترهيب والترغيب، لا فرق أن يكون العيش قائما على الكلأ وآبار المياه أو شبح المعادن وطرق البضائع سواء بسواء والسيادة على ليبيا بيد الخلافة الآيلة إلى تركيا وتساهل سلاطينها في إعطاء شيء من الاستقلال لمن أسندوا إليهم حكم الشعوب مكتفين منهم بما يُفرَض من الأتاوات وما يتبعها عادة من الهدايا وبالأحرى الرشاوى، فإذا ما آلت هذه السيادة لإيطالبا في غضون ما تم من مناطق النفوذ وما تعرضت له تركيا من الضغوط، كان لإيطاليا موقفها الرامي إلى عدم التفريط في مساحة مستعمرتها شرقا وغربا وجنوبا لتتم في الخصوص عديد التوافقات التي أحسن المُحاضر استخلاصها بشأن الحدود مجتمعة، بداية من الغربية المشتركة مع تونس لأزمان بعيدة ولم يحدث حولها إشكال يذكر، في حين نرى في الحدود مع الجزائر عودتها إلى الزمن الذي ارتبط بالاستعمار الفرنسي، وقد أُثيرت في البرلمان قبل استقلال الجزائر عندما انخرطت ليبيا في دعم الكفاح الجزائري سواء بالتصدي لمن حاول التآمر على بعض القادة أو تقديم الممكن من المساعدات على مختلف الصعد، خاصة وأن أمريكا التي ارتبطت مع ليبيا المستقلة بأكثر من تعاون لم تخف تعاطفها مع الجزائر، مع عدم التساهل في ما حاول الفرنسيون ضمه لمستعمراتهم إلى جانب تداخل القبائل لغير الصالح الليبي لولا أن أهم الزعامات كانت يقظة وأقدر على رفض إغراءات الاستمالة كما تشهد الوثائق المتعلقة بالمرحلة وبالذات الردود الرسمية على أسئلة نواب ذلك الزمان بمن فيهم بعض الزعامات المهاجرة التي لم تستجب للترهيب والترغيب كما حدث مع السيد إدريس الذي اتفق موقفه مع الإيطاليين بشأن الجغبوب وما حولها، ليأتي دور الحدود البحرية والتي بدأها بما تم حول الجرف القاري مع تونس والذي رأى النظام السابق أن يفضل الاستغلال المشترك بدل التمسك بحكم المحكمة الدولية والأحقية الثابتة في خليج سرت التي لا تقبل التساهل ولا تبعد عن ذلك مالطا، وما ترتب على انفراد مصر بإعلان الحدود من جانب واحد، بعكس ما اتبع مع قبرص واليونان، دون أن يترك الاتفاقية التي أُبرمت مع تركيا وما ترتب عليها من محافظة على الحق الليبي ودون المساس بالآخرين فتزداد الثقة في جدية البحث وإمكانية تطويره نحو ما يؤهل المُحاضر كي يكون من أصحاب الاختصاص المعدودين، وأن الأمل كبير في مواصلة السير في هذا الدرب لنكسب واحدا من الخبراء المهمين، فقط لو واصل المسيرة وحرص على المثابرة والمشاركة وإبداء الرأي، كيف لا، وأكثر من وطني جاد يؤمن أن الحدود علامة الوجود والحرص على صونها أقوى الشواهد على جدية العهود.