رأي

توالد القرون وغياب القيمة

 

 أبوبكر المحجوب

‎منذ بداية النهضة في القرن الرابع عشر، والإنسان يعيش تناقصاً في القيم التي ورثها؛ مما أصابه شكٌ في الماضي والحاضر والمستقبل أيضا؛ بل هناك بحوث ودراسات كشفت بكذب كثير مما قاله التاريخ؛ و أيضا ضلال عديد النظريات التي حكمت هذا التاريخ؛ والآثار التي خلفتها البشرية بعد قرون من حضارات متتالية تقلب أحيانًا الحقائق التي عرفناها وما كنا نعتقد بعباقرة التاريخ؛ إذ هم بشر لهم ما للبشر من ضعف ومزايا.

أما الحاضر فهو القلق بعينه يعيشه كل إنسان على هذه الكرة الأرضية؛ إنه زمن تفكك الأسرة البشرية و هو زمن الحروب بين أقاليم و بين دول وبين مدن؛ يغذيهم التعصب الديني والعرقي؛ وكيف لا يعيش الإنسان في قلق مستمر وهو يحيط به النووي من كل مكان و هو القادر على إزالة الكرة الأرضية عدة مرات؛ وهذا ثقب الأزون يبعث له في الغازات السامة؛ ويهيج له ماء البحار والمحيطات ويذيب له الثلوج أيضا وهذه علوم الهندسة الوراثية تنبئ بما لا يخطر على بال أحد ومن الظواهر الجديدة ما نراه من تعصب ثقافي أيضًا.

إن آليات هذا العصر وإن كانت تسعى لتطوير العمل الإنساني من خلال منظمات المجتمع المدني إلا أن المشكلات آخذةً في التعقيد أكثر فأكثر و لا زالت مشكلات الطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة ومشكلات الشباب والمرأة وغيرها لم تتحسن أحوالهم في المجتمع الإنساني الكبير؛ و لم يحصلوا على حقوقهم و ما زال هناك الشمال الغني والجنوب الفقير؛ و لا زال الاستعمار راغباً في العودة إلى مستعمراته السابقة و بأسلوبه الجديد وبحسب طبيعة العصر فارضًا الشراكة وتبادل المصالح؛ و ها هو العالم  يستقبل في أمراض ذات طابع جديد ومؤثر في جميع المجالات و السلوكيات والموروثات البشرية و رغم هذا فأنا لستُ متشائمًا وإنما أريد أن أقول إن إنسانَ هذا العصر هو إنسانٌ قلق يشك في حاضره و لا يدري إلى أين تصل به هذه العلوم الحديثة؛ بل وكيف ستكون حياته بعد غزوه للفضاء. و أما عن المستقبل أعتقد أن جميع البشر يودعون القرن الفائت بطرح كثير من الأسئلة؛ بعكس القرون الماضية، فكل مكتسبات البشر مطروحة للحوار طالت حتى الأديان.

نعم لستُ متشائمًا لإيماني بأن اللّه قد جعل الإنسان خليفته في الأرض يقيم فيها شرائع الله ويعمرها بالخير، وهذا أمر مفروغ منه.. إنما لا يمنعني من التحليل واستشراف المستقبل وعلى ضوء معطيات الحاضر التي تخبرنا عن سمة إنسان القرن الجديد الذي يريد أن يصنع عالمه بنفسه بعد أن كان يتلقى الأمر من الدين فكانت حياته السابقة وفق الشرائع الدينية وقيمها؛ فكانت حياته اليومية مزيجًا من ملامح مادية وأخرى روحية؛ أما الآن فقد تغيرت رؤيته ومال إلى حياة مادية؛ قد توارت فيها القيم التي حكمت أخلاقيات العصور القديمة؛ وأصبحت القوانين العلمية وأسرار الطبيعة المكتشفة هي التي يتلقى منها الإنسان الأمر وهي التي تنظم له دروب حياته وفنون علاقاته الاجتماعية فقد سقطت هيبة الموت وجلال التفكير في الحياة بعد الحياة ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى