الرئيسيةرأي

4- أسئلة أخرى ..

خرجت من باب الأسئلة الشرعية لأصل إلى أسئلة أخرى هذا ماحصل باختصار من خلال ما استعرضته سابقاً، لكن لاأنكر أنني حددت مسَلك أو اتجاه يمكنني البحث والتقصي عبره، هذا المسار هو ثنائية السياسية والإعلام..

بداية أجد نفسي مصطفاً إلى الفلسفة التي تقول: لولا ضغوط القوى الاجتماعية لما كتب للأفكار السياسية الحياة، واستحضر قول الشاعر الألماني “هاينة” محذراً الفرنسيين من مغبة سيادة الأفكار وسلطتها قائلاُ :-

إن الأفكار الفلسفية التي يطرحها أستاذ في مكتبه الهادئ قادرة على إبادة حضارة بأكملها ، نعم الأفكار، فكما جاء في تعاليم “أبيقور” المعرفة تحرر الفرد، لتظل الأسئلة الحقيقة تتجاوز حدود المفردات وتبقي هي الأهم. إذا سأبدأ بهذه الثنائية وسأسلك نهج تشومسكي عندما تناول نوع النظام الديمقراطي الذي يطمح الإنسان للعيش فيه كما ذكرت في الجزء الأول من هذه المقالة .

سأبدأ بالإعلام الذي هو حتماً صنيع السياسة، سأضع تصوراً يبدأ أولاً بنوع نظام الحكم الذي يحدد سياسة الدولة ، الذي بموجبه تتشكل مباشرة السياسية الإعلامية للدولة ، لنفترض أن هذه المضلة ستتدرج لتأخذ شكل قاعدة “الهرم المقلوب” الرائج في بناء القصص الإخبارية، لتأخذ وضعها الطبيعي لتختلف سياسات الدول حسب نوع الأنظمة، كذلك تتشكل السياسات والممارسة الإعلامية وتختلف من بلد لآخر، وهذا “حق ومطلب “ديمقراطي” مكفول قياساً بالتعريف الذي اعتمدته اليونيسكو منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي في مؤتمرها الذي عقد في العاصمة الفرنسية باريس واُعتبر من أكثر التعريفات وضوحاً وتحديداً من قبل خبراء اليونسكو، إذ بأن السياسة الإعلامية ( هي مجموعة المبادئ والمعايير والقواعد التي تحكم وتوجه سلوك الأنظمة الإعلامية ، والتي عادة تشتق من شروط الأيديولوجيا السياسية والقيم التي ترتكز إليها في بلد ما ) ، لتكتسب السياسة الإعلامية بذلك الكثير من خصائص السياسة العامة للدولة وكل آلياتها ضمنياً ..

– ألا يحدد هذا التعريف ويكفل حق الممارسة الإعلامية وفقاً لأهم مرتكزات أي مجتمع وهي الأيدولوجيا السياسية وقيم البلدان التي ترتكز على كل مكوناتها التي تختلف حسب كل بلد ؟ لذلك الاختلاف في هذه الممارسات ومحتواها حق من حقوق الخصوصية والملكية لأي دولة حسبما سبق ذكره في توصيف اليونيسكو لهذا الحق، وبعد أن أستندت إلى هذه القاعدة العامة أتدرج وأعود مجدداً لأقف مباشرة عند السياسات التحريرية التي تضيق مساحتها لتختلف من وسيلة إلى أخرى حسب محددات تتركز في نوع الملكية ومصادر التمويل إلخ ..

فالسياسات التحريرية يعتبرها خبراء الإعلام مجموعة من القواعد التي من شأنها أن تجعل الممارسة الإعلامية “معيارية” تستند إلى أسس مهنية ونقاط مكتوبة لدى القائمين بالاتصال ، غير أن هذا المفهوم بات فضفاضاً ومختلطاً مع مفاهيم أخرى.

وللتوضيح أكثر يمكن أن نستحضر في هذه الجزئية أيضاً قول “دوريس غربر” أستاذة العلوم السياسية بجامعة إلينوي- شيكاغو ، ورئيسة تحرير جريدة “الاتصالات السياسية” ، إذ ترى أن (الاتصال السياسي في الأنظمة الديمقراطية يعني الحديث عن سياسة الأخبار ، ودائماً ماتستتبع السياسة صراعاً في المجتمعات الديمقراطية، وفي هذه الحالة يدور الصراع حول “السيطرة على أخبار السياسة”، وهو صراع لأنه على العكس من الديكتاتوريات لايوجد قياصرة مفروضون يقررون ماالذي يجب تغطيته هو الإطار الذي يجب أن يوضع فيه ، ويدور النزاع على مادة الأخبار والأخبار التي يجب تغطيتها وتشكيلها والمنظور الذي يجب أن تُبث من خلاله ).

من خلال كل محاولاتي السابقة للبحث عن إجابة أو تفسير للأسئلة الواردة في استهلال الجزء الأول من المقال، تولّدت أسئلة أخرى أكثر تعقيداً؟

-إذا كيف سنتمكن من تصنيف الخطاب الإعلامي بأنه خطاب “تحريض أو كراهية” وفقاً للمقارنات السابقة؟ هناك جزئية هامة أشار إليه “أمين معلوف” في مسألة الحداثة التي تأتي من الخارج مفادها أن القوانين التي تتماشي مع المجتمع المدني دولياً هي بمثابة وعاء عالمي سوف يتسع ليشمل العالم، لذلك مالم تحصن الدول نفسها بما ينسجم مع كل الإشكاليات التي حاولت استعراضها سابقا مع هذا الوعاء العالمي سوف يجتاحنا العالم لنكون في محل مفعول به ! لتبقى الأسئلة المهمة ماذا أعددنا نحن الليبيين لكل ذلك؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى