الاستبداد فكرة والفكرة لا تموت..
خالد الهنشيري
في الرابع من ديسمبر عام 1950 أقرتْ الجمعية الوطنية الليبية بالاجماع شكل العَلم الوطني الليبي, ونصت المادة السابعة من الدستور الذي صدر عام 1951 شكل العلم وتفاصيل ألوانه وحجمه, هذه التفاصيل كانت محور حديثي مع أحد الصحفيين الليبيين المغمورين اسماً والمخضرمين عملاً, كان صحفياً في عهد المملكة, ثم في جماهيرية القذافي, إلى ليبيا ما بعد فبراير; أثناء استرسالنا في الحديث حول ليبيا والمستقبل, استمعتُ إلى رفيقي الذي كان يفيض بالآسى والحقائق أشبه بحالة إحباط ممنهج لواقع عايشه قبل سبتمبر عام 1996, ثم الجماهيرية, وصولاً إلى ما بعد ثورة فبراير.
قال ليَّ عندما التحقتُ بمجال الإعلام كان عمري 18 عاماً واشتغلت بجريدة «الميدان» الأسبوعية التي كان يرأس تحريرها السيد «فاضل المسعودي» وبعد استيلاء القذافي على السلطة خرجتُ مؤيداً لما كنا نحسبه ثورة, والسبَّب أنني عاصرتُ عهد المملكة وقد طغت طبقة من التجار ورجال الأمن وكبار الضباط عندما كنتُ طفلاً كانت هناك ذكرى اعتلاء الملك عرش البلاد وعامة الشعب يحتفلون في شوارع طرابلس, دخلتُ وسط الجموع لاستمتع بالحدث أسوة بالكثيرين, وإذ بهراوة البوليس تهوى على جبهتي بكل قوة وكدتُ أن أفقد الوعي, وبينما أنا عائد إلى بيتنا أبكي بحرقة مرَّرتُ أمام سينما «الرشيد» وسط مدينة طرابلس, وكان نفرٌ من العمال الليبيين البسطاء يقومون بإنزال شاحنة دقيق لأحد كبار التجار الليبيين, وأنا أمر أمام المحل وإذ (بالعرفي) يمر بسيارته من نوع بيجو عائلية التي كانت مقياساً للرفاهية في ذلك الزمن; وبينما كان أحد العمال الليبيين البسطاء يحمل كيس الدقيق فوق كاهله وإذ بالتاجر يدهسه بسيارته, هرع العمال لإسعاف زميلهم في سيارة التاجر, وإذا به يزمجر غاضباً ويقول : (حول الوسخ سيارتي ما يركبهاش شكل زي هذا).
وروى ليَّ أيضا واقعة أخرى تفوق الخيال قائلاً: عندما كان أحد الضباط الكبار بمركز المدينة في عهد المملكة يقود سيارته بشارع النصر دهس أحد المشاة بتلك السيارة وتركه مضرجاً بدمه, وعندما وصل إلى مقر عمله بمركز المدينة خاطب مجموعة من صغار الضباط بالقول: (لقد دهستُ أحد الكلاب وتركته مرمياً في الشارع اذهبوا وتحروا ماذا حصل)?!. وأضاف أن ذلك المجهول ربما يكون قد فارق الحياة, وظل ذلك العربيد حراً طليقاً, تلك كانت بعض الأسباب لخروجي في مسيرة تأييد للقذافي بعد ثالث يوم من حكمه ..
وكانت تلك محصلة سؤال طرحه عليّ الصحفي المرحوم «فاضل المسعودي» الذي رد على قولي لن تروا خيراً منذ ذلك الإنقلاب, وفعلاً كان صادقاً في كلامه, وقد حسم موقفه وهاجر من أرض الوطن إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى, ثم جاء القذافي وحكمنا نحو نصف قرن ما جرى في حقبته من ممارسات في حق الشعب الليبي كافة والإعلاميين بشكل خاص منحني درساً يفوق الوصف.
ختم حديثه قائلاً : الآن الآفق حالك وأنتَ أدرى بما يدور في البلاد; أنا تجاوزت الستين من عمري وليَّ تجاربي وأحكامي الخاصة فقط أتمنى السلامة لليبيا والليبيين.
لذلك يصعب المراهنة على أي نظام سياسي وتظل الممارسات السياسية تشكيلة من الشعارات الموسمية تنهي صلاحيتها حسب نوع الفكر المسيطر.